عام

طه داؤود يكتب :حرب السودان: شبح الإنفصال

الخرطوم / أفريكا نيوز 24

نحو ثمانية أشهر مرّت منذ اندلاع الحرب الدامية في السودان، ولا يزال القصف المدفعي والقصف الصاروخي واطلاق المسيّرات هي الأدوات الأنجع حسب رؤية الأطراف المتحاربة، لحسم حرب المدن في السودان.

إصرار الأطراف المتحاربة على تحقيق الانتصار في ساحات الوغى وميادين القتال بدلاً من الحوار كانت نتائجه هذا الواقع البائس على الأرض والذي لا يرضي عدواً ولا صديقاً.

وهذا الإصرار على القتال نتج عنه أيضاً فشل مبادرات السلام وعلى رأسها منبر جدة لمفاوضات السلام السودانية والتي أُعلن عن انهيارها قبل أيام، وانسحبت الوفود وصدرت بيانات التنصّل عن المسئولية من الطرفين، فقد أوردت وكالات الأنباء بيان قوات

الدعم السريع بأن الجيش هو من يتحمّل مسؤولية عدم التوصل لاتفاق بجدة لفشله في القبض على المطلوبين من مسؤولي النظام السابق. وفي الجانب الآخر أعلن الجيش السوداني أن الدعم السريع هو من يتحمّل مسؤولية فشل المفاوضات برفضه الخروج من منازل المواطنين والمدن والأعيان المدنية (٤/١٢/٢٠٢٣).

تنهار مفاوضات سلام جدة وينهار معها الأمل في أن ينعم المواطن بيوم هادئ من هدير الطائرات الحربية وبسماء صافية من أعمدة الدخان وبشوارع خالية من ارتكازات التفتيش والنهب والإهانة وبمياه شرب خالية من التلوث في عاصمة يغذيها أطول أنهار العالم بمياه عذبة لا تعرف الانقطاع، ولكنها الآن منقطعة وملوثة بسبب القصف والتدمير الذي طال محطات التنقية وخزانات المياه!.

هذا الإصرار من طرفي النزاع على (حسم) المعركة عسكرياً هو الذي أورد البلاد المهالك. وبكل أسف، فإن من يدفع فواتير التصعيد العسكري هو المواطن لا حمَلة البنادق والمدافع الرشاشة، وهي فواتير لا نهاية لها ابتداءاً من فاتورة انعدام الأمن، مروراً بفواتير الوظائف المفقودة والمدارس المغلقة والمستشفيات المقفرة وانتهاءً بفاتورة الموت للمدنيين بما يزيد عن عشرة آلاف قتيل ونحو خمسة ملايين من النازحين واللاجئين.

البلاد الآن في أمس الحاجة إلى من ينتشلها من هذا المستنقع، مستنقع الخوف والجوع والنهب وإزهاق الأرواح، ويقودها إلى بر الأمن والأمان والتعافي والتصالح.

لابد من خطوة جريئة لاعادة الأمل وإخراج الناس من حالة الإحباط واليأس ومن تكرار الوعود الكاذبة باقتراب ساعة النصر .

السودان الآن يتطلع إلى رؤية قائد شجاع يسعى لحقن الدماء وتحقيق السلام.. فالشجاع هو مَن يعلن وقف النار وفي يده زمام المبادرة والقدرة والأفضلية لا مَن ينادي بمواصلة القتال حتى النهاية.

البلاد الآن أكثر حاجة من أي وقت مضى إلى القائد الشجاع الذي يمنع انهيار الدولة السودانية، فانهيار الدولة السودانية هو انهيار للجغرافية والتاريخ والتراث.

وقد ازدادت المخاوف من سناريو انهيار الدولة السودانية في الآونة الأخيرة، وتحديداً في دارفور، بعد أن كثّف الدعم السريع من عملياته العسكرية في مدن دارفور، فسقطت نيالا، المركز الاقتصادي وحاضرة جنوب دارفور، سقطت في يد الدعم السريع، ثم سقطت الضعين شرقي الاقليم، ثم لحقت بهما مدينة الجنينة في اقصى الغرب ثم تبعتها زالنجي في وسط اقليم دارفور، وربما تسقط مدينة الفاشر المحاصرة، رمز سلطنة الفور وأمجادها ومركز سلاطينها العظام أمثال السلطان سليمان سولونق والسلطان ابراهيم قرض شهيد معركة (منواشي) والسلطان علي دينار، كاسي الكعبة المشرفة وساقي الحجيج وشهيد معركة (برنجية)، ومن الواضح حرص قوات الدعم السريع على توسيع هيمنتها لتشمل مدن اقليم كردفان المجاور أيضاً.

مخاوف القوى الوطنية من سيناريو السقوط وما قد يتبعه من انفصال لاقليم دارفور لها ما يبررها، وهي مخاوف يعززها الانهيار السريع للحاميات العسكرية في مدن دارفور.

انفصال دارفور، إن حدث، سينتج عنه انهيار الدولة السودانية، وسينتج عنه كيانات هشة ومتناحرة، وسينفتح الباب على مصراعيه لدخول أصحاب الأطماع والأجندة لسكب المزيد من الزيت على نار التعصب والاصطفاف القبلي والقتل على الهوية الاثنية الذي سيكون سمة الدويلات الجديدة.

على دعاة الانفصال الانتباه والاستعداد للتعامل مع فتن كقطع الليل المظلم، فدارفور المنفصلة لن تكون لقمة سائغة للدعم السريع ولن تكون واحة آمنة للدعم السريع وحواضن الدعم السريع على حساب المجموعات السكانية الأخرى.

لذلك، ولمنع الوصول إلى هكذا سيناريو فإنه يجب على القوى الوطنية وعلى الحادبين على مصلحة البلاد من مدنيين وعسكريين تفويت الفرصة على دعاة التقسيم والاصطفاف الجهوي.

والخطاب لا يقتصر على دارفور فقط وإنما يوجّه أيضاً لدعاة الانفصال في شمال البلاد وشرق البلاد، فدولة (النهر والبحر) التي يروّج لها المرجفون هنا لن تكون إلا دويلة ضعيفة أطرافها منتهكة ومعرّضة للابتزاز والغزو من الشمال ومن الشرق.

فالخوف من الامتدادات العابرة للحدود لحواضن الدعم السريع غربي البلاد، لا يجب أن يلهينا عن خطر الزحف الذي قد يأتي من الحدود الشمالية او الشرقية.

اراضينا شاسعة وخصبة وقليلة السكان مقابل ما يزيد عن مائة مليون في الجارة الشمالية ونحو مائة وعشرون مليون في الجارة الشرقية. ومن غير المستبعد أن تتعرّض المزيد من أراضي البلاد للقضم والضم وتكرار سيناريو (حلايب) و (شلاتين) و (الفشقة).

يجب على الأطراف المتحاربة الارتفاع إلى مستوى المسؤولية والإقرار بفشل خيار الحسم العسكري، فالواقع الماثل على الأرض يناقض ما يبثه الإعلام الحربي للطرفين.

السبيل الوحيد لتحقيق الانتصار لصالح الوطن والشعب ومن ثمّ درء خطر التقسيم عن البلاد، هو الرجوع الى طاولة المفاوضات. على القيادة العسكرية للجيش والقيادة العسكرية للدعم السريع إعادة وفديهما إلى جدة للتوقيع على بنود اتفاقية وقف اطلاق النار وفتح المسارات وإعادة السلطة للمدنيين.

 

التحية،،

10/12/2023

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى